في دراسة وقراءة دستورية أجرتها إستاذة القانون الدستوري الدكتورة الشيخة وفاء المالك الصباح قالت لقد تأثرت بالحدث السياسي تأثيرا غطى على تفكيري واصبح شغلي الشاغل وبت مرتاعة لما اصاب الناس من تكالب على الترشيح لمجلس الامة ويقلقني جد البعض وهزل الاخرين كما أفزعني تعدي البعض على نصوص الدستور وجهلهم بما يجري خلف الستار.
ولما علقت الفكرة بذهني وسيطرت على فكري على فكري وعقلي رحت اقرا الكثير عنها وأفكر فيها وقد يخطر لي فيها خاطر اذا صحوت أثناء الليل، فأذهب الى مكتبي واستحضر الكتاب الذي اظنه يعالجها واقرأه لتحقيق الفكرة والوصول فيها الى نفي أو اثبات.
واعترف اني غضوبة حليمة، وكل من يراني يصفني بالهدوء والاتزان والحلم والسكينة، لكني اذا غضبت تعديت طوري وخرجت عن حدي والحياة قلما تخلو من هم، والناس حولي تعتريهم هذه الهموم وأكثرهم منها فلا يأبهون كما آبه ولا يفزعون كمما افزع.
ولما استحكمت الأزمة ارتأيت ان لا ألزم الصمت، فهناك من يخطب فلا يهاب ويتكلم في مسألة علمية فلا ينضب ماؤه ولا يندي جبينه ويعرض عليه الامر في جمع حافل فيدلي برأيه في غير هيبة ولا وجل وقد تبلغ به الجرأة ان يجرح حسهم وينال من شعورهم.
لما كان من المعلوم ان النظام الدستوري بدأ بالمعنى الصحيح في الكويت بصدور وثيقته الدستورية الأولى في 11 نوفمبر 1962 التي أعلنها امير الكويت لتصبح موادها اساسا للنظام الاجتماعي والسياسي في الدولة وهي الوثيقة التي مازالت مطبقة حتى اليوم، والتي صدرت عن طريق تعاقد تم بين أمير البلاد وبين الشعب الكويتي ممثلا في مجلسه التأسيسي ومع دنو الموعد الاجرائي للانتخابات البرلمانية اثر حل مجلس الأمة فقد ثارت التساؤلات في الآونة الأخيرة حول دستورية ترشح ابناء الاسرة الحاكمة باعتبارهم مواطنين لهم ما للشعب الكويتي من حقوق وعليهم ما عليه من واجبات.
واذا كانت قواعد الوثيقة الدستورية قد اغفلت النص على منح او منع افراد الاسرة الحاكمة الحق في الترشح في صلب الوثيقة الدستورية الا ان المنع قد ورد بشكل صربح وقطعي في المذكرة التفسيرية التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من الوثيقة الدستورية علاوة على العرف الدستوري الذي جرى العمل به منذ بدء الحياة السياسية في الكويت والذي شكل قاعدة عرفية جديرة بالالتزام لاسيما وان الملاءمة السياسية التي نستنبطها من نصوص الدستور وروحه تقضي بالنأي بافراد الاسرة الحاكمة ومنعهم من خوض الانتخابات البرلمانية
سنتناول هذه الأمور بالتفصيل على النحو التالي:
اولا: منع ابناء الأسرة الحاكمة من الترشح ورد بشكل صريح في المذكرة التفسيرية الملزمة.
المتتبع لاجراءات وضع الدستور الكويتي من قبل المجلس التأسيسي الذي تشكل بموجب القانون رقم واحد لسنة 1962 الخاص بنظام الحكم من فترة الانتقال يلمس بسهولة ان المجلس التأسيسي قد عامل المذكرة التفسيرية للدستور المعاملة نفسها التي عالج بها نصوص الدستور ذاتها اثناء المناقشة والتصويت مما يؤكد انه ينظر الى هذه المذكرة نظرة خاصة وتعتبر مهمة لنصوص الدستور، لا مجرد مذكرة تفسيرية عادية.
كما امتد الامر الى تصديق سمو الامير على المذكرة التفسيرية للدستور والمرفقة، آنذاك، مع مشروع الدستور، وعليه فقد تميزت المذكرة التفسيرية للدستور عن غيرها من المذكرات التفسيرية التي لا يلزم مرورها بمرحلة المناقشة والتصويت علاوة على مرحلة التصديق عليها.
كما اكدت الازمات الدستورية التي مرت بها الكويت من ناحية وبعض الاحداث الدستورية الاخرى من ناحية اخرى الزامية المذكرة التفسيرية ووجوب الرجوع اليها عند تبني تفسير معين لاحكام الدستور.
كما امتد دور المذكرة التفسيرية الى الزيادة على الوثيقة الدستورية ذاتها بما اوردته من احكام ولم يقتصر دورها على ايراد الايضاحات لبعض نصوص الدستور.
فقد جاءت بكثير من الاحكام التي لم يرد لها ذكر في الوثيقة الدستورية ذاتها ولقد جرت الممارسة الدستورية على الاستناد اليها باعتبارها السند الدستوري لشرعيتها فهي جزء متمم للدستور وترتفع الى مصافه من هذه الممارسات “القيد الخاص بترشيح اعضاء الاسرة الحاكمة لانفسهم في الانتخابات”.
فمن المعروف ان الكويت تتبنى نظام المجلس البرلماني الواحد في حين ان هناك الكثير من الدول الملكية تتبنى نظام المجلسين اي مجلس للنواب واخر للشيوخ والهدف السياسي من وراء وجود المجلس الثاني هو السماح لافراد الاسرة الحاكمة بالمشاركة في شؤون الحكم والسياسة على طريق تعيين البعض منهم في مجلس الشيوخ لكن المشروع الدستوري الكويتي ومراعاة منه لاوضاع الكويت لم يسمح بوجود مجلس ثان معين الى جانب المجلس المنتخب- ومع اقتران ذلك بالمبدأ الذي تنص عليه عادة الدساتير الملكية من عدم جواز ترشيح ابناء الاسرة الحاكمة- اضطر المشرع الى ان يقرر اختيار الوزراء من داخل وخارج مجلس الامة حتى ينفسح في المجال امام اشراك افراد الاسرة الحاكمة في الحياة السياسية. ولما كان المعلوم ان المشرع الدستوري قد اغفل ان ينص في صلب الدستور على القيد الخاص بعدم جواز ترشيح افراد الاسرة الحاكمة لانفسهم في الانتخابات الا انه قد اكتفى بما سيورده في شأن هذا الامر بالمذكرة التفسيرية للدستور والتي يراها متممة لاحكام الدستورية.
“وبالفعل أوردت المذكرة التفسيرية هذا المنع بشكل صريح وقطعي، إذ نصت على … وإيراد هذا الحكم الخاص بتعيين وزراء من غير اعضاء مجلس الامة مع تعمد ترك ما تتضمنه الدساتير الملكية عادة من نص على ان “لا يلي الوزارة احد اعضاء البيت المالك” أو “أحد من الأسرة الحاكمة” يؤدي الى جواز تعيين اعضاء الأسرة الحاكمة وزراء من خارج مجلس الأمة. وهذا هو الطريق الوحيد لمشاركتهم في الحكم نظراً لما هو معروف من عدم جواز ترشيح انفسهم في الانتخابات حرصا على حرية هذه الانتخابات من جهة، ونأياً بالأسرة الحاكمة من التجريح السياسي الذي قلما تتجرد من المعارك الانتخابية من جهة ثانية”.
ومما لا شك فيه، وكما سبق البيان، ان الاحداث والممارسات الدستورية السابقة قد اكدت القوة الالزامية للمذكرة التفسيرية، علاوة على استقرار العرف الدستوري واضطراده على اعتبار المذكرة التفسيرية جزءاً متمما للدستور، لاسيما وأننا لم نجد موضوعا اجمعت عليه الآراء مثل موضوع مدى إلزامية المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي. فقد التقت آراء جميع اساتذة القانون الدستوري على الطبيعة الخاصة التي حظيت بها هذه المذكرة والتي تختلف عن المذكرات التفسيرية الاخرى فهي بلا شك ملزمة لكل السلطات العامة في الدولة.
ثانياً: منع الأسرة الحاكمة من الترشيح عرف دستوري ملزم
يعترف الدستور الكويتي بالعرف كمصدر للقواعد الدستورية، فالمادة 35 منه تنص على ان “حرية الاعتقاد مطلقة، وتحمي الدولة حرية القيام بشعائر الاديان طبقا للعادات المرعية، على الا يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب”.
وإذا كان الدستور قد بين ان العرف مصدر للقواعد الدستورية في ما يتعلق بحرية الاعتقاد، فان ذلك لا ينفي كون العرف مصدرا للاحكام الدستورية في بقية الموضوعات، لاسيما وان دستور الكويت دستور مختصر، يسمح بظهور العرف الدستوري الى جواره لتفسير نصوصه أو يكملها أو ينشئ قواعد جديدة تقف الى جانب نصوصه ولا تتعارض معها.
يعرف العرف الدستوري بأنه “قواعد دستورية تنظم العلاقات بين السلطات العامة بعضها مع بعض أو السلطات العامة مع الافراد، ويكون لها حق الالتزام في ضمير الجماعة من حكام ومحكومين”، وعليه يمكننا القول انه لتكون قاعدة عرفية يلزم تحقق ركنين مادي ومعنوي.
أولاً: الركن المادي يتكون العرف الدستوري بتكرار قاعدة معينة من قبل السلطا العامة إزاء حادثة معينة دون اعتراض من قبل السلطات الاخرى فترة زمنية طويلة، فالتصرفات العارضة لا تؤدي الى تكوين عرف دستوري، فنرى الدستور العرفي في بريطانيا بدأ في التكون منذ القرن الثاني عشر في عهد الملك هنري الثاني، ولا يوجد عدد محدد للمرات حتى يتكون العرف الدستوري، إلاان الرأي الغالب يشترط ان يكون هناك مرتان على الاقل حتى يمكن القول بوجود التكرار وترى اغلبية الفقهاء انه يجب لتحقق الركن المادي ان تكون العادة ثابتة ومستقرة نتيجة لالتزام الهيئات الحاكمة بالعمل على نحو مضطرد لهذا العرف من دون ان تخرج عليها او تخالفها، حيث ان الخروج ولو مرة واحدة يؤدي الى التشكيك في ثباتها واستقرارها.
وهو الأمر الذي ظهر منذ عام 1921 أبان وضع الوثيقة الدستورية المعروفة بوثيقة دستور 1921، اذ جاء ليمنع ترشيح أبناء الأسرة الحاكمة للإنتخابات، حيث أن تلك الوثيقة قد نصت على أن يتم انتخاب مجلس شورى من الأسرة الحاكمة ومن أعيان الكويت، إلا أنه لم يتم العمل بهذا النص حيث جاء أعضاء المجلس عن طريق التعيين ولم يتضمن في عضويته أيا من أبناء الأسرة الحاكمة، مفسحا المجال في تكون سابقة دستورية مؤداها عدم جواز مشاركة أبناء الأسرة كأعضاء في مجلس الشورى، كما تعززت هذه القاعدة العرفية بعد أن جاء انتخابات أول مجلس تشريعي في الكويت عام 1938 والذي لم يتقدم لعضويته بالترشيج أي من أبناء الأسرة الحاكمة. وثم تقرر وتأكد هذا العرف السابق بالنص الصريح الذي جاء بالمذكرة التفسيرية للدستور الصادر عام 1962.
ثانيا: الركن المعنوي فلا يكفي أن يتكرر اتباع القاعدة القانونية مرات عديدة حتى يتكون العرف بل يجب أن يشعر الأفراد بالإلزامية هذا السلوك، فالركن المعنوي هو الذي يعطي للعرف قوته ويجعله مصدرا رسميا من مصادر القاعدة القانونية. وهو الأمر الذي تحقق مما لاشك فيه، فأمام إبداء بعض الرغبات التي ظهرت من بعض أبناء الأسرة الحاكمة في أعوام 1992، 1996 ، 2006 فإنها ما لبثت أن اختفت وانتهت عند حدود الرغبات، نزولا منهم واحتراما لأحكام الدستور التي تمنع ترشيحهم إذ أوصد الباب على تلك الرغبات والدعوات ووقفت عند حدود اعلانات وتصريحات لم تلق أي قبول بالواقع الأمر الذي يعزز معه الركن المعنوي المشار إليه.
ولما كان العرف الدستوري حقيقة قانونية في النظام الدستوري الكويتي، فإن جانبا من النظام الدستوري يقوم أساساً على القواعد العرفية، كما أن العادات الدستورية التي دأبت على ممارستها وعملها السلطات العامة هي بمثابة إقرار ضمني منها برغبتها.
ودأب السلطات العامة على مدى 55 عاما على عدم قبول ترشح أبناء الأسرة الحاكمة للانتخابات البرلمانية هو إقرار بتشكيل قاعدة عرفية تمنع أفراد الأسرة الحاكمة من هذا الحق، وهذه القاعدة العرفية المفسرة لقواعد الوثيقة الدستورية هي قاعدة ملزمة مما لا شك فيه تقف إلى جانب نصوص الدستور ولا تتعارض معه البتة.
ثالثا: الملاءمة السياسية تقضي بالمنع
إن الملاءمة السياسية والتي نستنبطها من روح الدستور ونصوصه تقضي بالنأي بكافة أفراد الأسرة الحاكمة من الترشيح للانتخابات البرلمانية، وذلك مراعاة لواقع الكويت والنظام الديمقراطي الذي تبناه الدستور، إذ أن حياة الكويت في جميع مراحلها التاريخية قبل الدستور كانت حياة أسرة يتعاون فيها الحاكم والمحكوم ، وكان الباب مفتوحا للرأي والمشورة، مما أوجد بوادر للشورى شارك فيها الطرفان قبل الدستور. حتى اكتمل بوضع الدستور عن طريق تعاقد تم نتيجة التقاء إرادة الشعب الكويتي وإرادة أميره لاسيما وأن هذا الدستور يقيم حكومة ديمقراطية نيابية إذ نصت المادة السادسة من الدستور على أن «نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعا، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين في هذا الدستور.
وتأسيسا على ذلك, فانه بات من غير الملائم ان يزاحم افراد الاسرة الحاكمة الشعب الكويتي في حقه الدستوري بالوصول الى مجلس الامة وممارسته للعمل السياسي.
جل ما نستخلصه ونحن في هذا المقام, ان اقرار المنع ورد بشكل صريح وملزم في المذكرة التفسيرية علاوة على العرف الدستوري السائد والملاءمات السياسية.
الا اننا حقيقة لا نستطيع ان نتغافل عن مواجهة مسألة اخرى جديرة بالبحث والدراسة لما لها من اثر بالغ على الخارطة السياسية اذ يثور التساؤل حول تحديد مفهوم الاسرة الحاكمة التي عنتها المذكرة التفسيرية في المنع, وهل المنع قاصر على ذرية مبارك الصباح ام شمل ذرية صباح الاول.
وهذا السؤال يقودنا بلا شك الى البحث في مواد الدستور ومذكرته التفسيرية وقانون توارث الامارة, للوصول الى تحديد هوية الاسرة الحاكمة في دولة الكويت.
الاسرة بالمعنى اللغوي هي “اهل الرجل وعشيرته” والجماعة التي يربطها امر مشترك وآل صباح هم العائلة الحاكمة في دولة الكويت منذ عام 1752, اذ تقلد الشيخ صباح بن جابر الحكم بعد مبايعة شعبية اثر اختياره حكما من قبل الشعب, فكان هو اول حاكم من هذه الاسرة, كما يلقب افرادالعائلة الحاكمة بلقب شيخ او شيخة في الوثائق الرسمية. الا ان دستور 1962, استحدث تحديدا وتخصيصا لورثة العرش في الاسرة الحاكمة. اذ تنص المادة الرابعة من الدستور الكويتي على الاتي:
“الكويت امارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح”.
كما اكدت المادة الاولى من قانون توارث الامارة على ذلك: “الكويت امارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح” وفي المذكرة التفسيرية نلاحظ انها اثارت في سياق تفسيرها للمادة الرابعة من الدستور فقالت “ومن هنا جاء الحرص في الدستور الكويتي على ان يظل رئيس الدولة ابا لابناء هذا الوطن جميعا, فنص ابتداء على ان عرش الامارة وراثي في اسرة المغفور له مبارك الصباح” , كما اشارت في موقع آخر الى “… يلزم اصدار القانون المبين لاحكام وراثة العرش في اقرب فرصة لانه ذو صفة دستورية…”.
ويستفاد من هذه النصوص ان المشروع وضع معيارا في الدستور وقانون توارث الامارة وهو “ذرية مبارك” من ذرية صباح الاول, وخصهم دون باقي الذرية لولاية العرش.
إلا ان هذا المعيار هو معيار لاختيار ولي العهد الذي سوف يصبح حاكم دولة الكويت في يوم ما فالتخصيص هنا لورقة عرش الحكم، اما لقب «الأسرة الحاكمة» فقد ورد فقط في المذكرة التفسيرية لاسيما وان المذكرة لم تقيده ولم تحدد ابعاده، مما يستفاد منه ان المذكرة التفسيرية قد خاطبت اسرة آل صباح كافة والممثلة بذرية صباح الأول.
ولعل ذلك يجد سنده في الآتي:
اولا: ذكرت المذكرة التفسيرية في معرض تفسيرها لتعيين الوزراء ايراد هذا الحكم الخاص بتعيين وزراء من غير اعضاء مجلس الأمة، مع تعمد ترك ما تتضمنه الدساتير الملكية عادة من نص على ان «لا يلي الوزارة احد اعضاء البيت المالك» او «احد اعضاء الاسرة المالكة يؤدي الى جواز تعيين اعضاء الاسرة الحاكمة وزراء من خارج مجلس الأمة.. «ومؤدى ذلك ان العرف قد جرى منذ بدء الحياة السياسية في دولة الكويت ومنذ تطبيق قواعد الوثيقة الدستورية العام 1962 على تعيين وزراء من افراد الاسرة الحاكمة من ذرية المغفور له صباح الأول، اذا لم يقيد الدستور ولا المذكرة التفسيرية باشترط تعيين وزراء من ذرية مبارك وانما من الاسرة كافة، وهو الامر الذي اخذ به وجرى العرف عليه فتعيين الوزراء منذ بدأ العمل بالدستور يشمل ذرية صباح الأول بكل بطونها.
علاوة على المماثلة والتطابق في المعاملة من قبل ولاة الامر تجاه كل افرع عائلة الصباح من حيث المخصصات المالية والمعنوية والالقاب، ولما كان كذلك فهناك عرف دستورية اصبح اليوم حقيقة قانونية في النظام الدستوري الكويتي وكما سبق البيان فان جانبا من النظام الدستوري يقوم اساسا على القواعد العرفية، كما ان العادات الدستورية التي دأبت على ممارستها وعملها السلطات العامة هي بمثابة اقرار ضمني من جانب السلطات برغبتها، وعليه فان المشروع الدستوري وان اغفل تحديد هوية ابناء الاسرة الحاكمة الا ان الممارسة العملية والعادات الدستورية قد قررت قاعدة عرفية مفسرة للقواعد الدستورية المكتوبة.
ولما كان من المعلوم ان دور العرف المفسر يظهر في حالة وجود نص غامض ومبهم من نصوص الوثيقة الدستورية حيث يقوم بتفسير هذا النص وتحديد مضمون النص الغامض او المبهم، اي ان دوره يقتصر فقط على تفسير الغموض الذي لحق بنص او بعض نصوص الوثيقة الدستوية وبالتالي لا يمتد هذا الدور الى حد انشاء قاعدة دستورية جديدة فمما لا شك فيه انه لا يثير خلافا بين الفقهاء ومن حيث الاعتراف بقيمته القانونية لان هذا النوع من العرف لا يخالف نصا من نصوص الوثيقة الدستورية ولا يعدل في احكام تلك الوثيقة وانما يقتصر دور هذا العرف على تفسير ما غمض من نصوصها وتأسيسا على ذلك فهو جزء من الوثيقة الدستورية التي انصب عليها التفسير ويأخذ حكمها ويكون له القوة القانونية نفسها التي لنصوصها
ثانيا: انه من الثابت في تفسير النصوص الدستورية انه وأمام عدم تحديد النص الدستوري أي اطلاقه ان يؤخذ على اطلاقه ولا يجوز تقييده بأي شكل من الاشكال.
فإذا كان اللفظ في النص عاما أو مطلقا فقد تعين حمله على عمومه او اطلاقه وعدم تخصيصه الا اذا قام الدليل على ذلك التخصيص او التقييد، وقد اكدت المحكمة الدستورية في الكويت على هذه القاعدة بقولها «ان المطلق يجري على اطلاقه والعموم يبقى على عمومه ما لم يقام الدليل على تخصيصه».
ولما كانت مواد الدستور قد خلت من اي وصف او تحديد لمفهوم الاسرة الحاكمة فإن الاطلاق هو السائد بلاشك ولما كان مصطلح الاسرة الحاكمة ورد في المذكرة التفسيرية عاما فالمطلق يجري على اطلاقه ما لم يقيد بدليل.
وتأسيسا على ذلك يكون تفسير مفهوم الاسرة الحاكمة شاملا لكل بطون وفروع اسرة الصباح واما التحديد الدستوري سالف الذكر لذرية مبارك فيعمل به بشأن ولاية العرش. لاسيما وان مفهوم الاسرة الحاكمة وفقا للعرف الدستوري يشمل الذرية كاملة من دون تخصيص، وعليه فالمنع الدستوري من الترشيح لافراد الاسرة الحاكمة الوارد صراحة في المذكرة التفسيرية يشمل كل ذرية لال صباح الامر الذي يعتبر معه قبول لجنة الانتخابات لطلب ترشيح أي فرد من أفراد اسرة الصباح «الاسرة الحاكمة» عملا يتعارض مع صريح نصوص الوثيقة الدستورية.
من حصاد ما تقدم نستخلص الآتي:
اولا: وضعت الوثيقة الدستورية وبشكل صريح معيارا للاختيار لوراثة عرش الكويت من خلال النص في المادة الرابعة من الدستور والمادة الاولى من قانون توارث الامارة على ان «لا يكون اميرا ولا وليا للعهد الا من ذرية المغفور له مبارك الصباح».
ثانيا: نشوء عرف دستوري مفسر لماهية الاسرة الحاكمة ويشمل كل ذرية صباح الاول اذ حدد العرف مفهوم الاسرة من خلال ارادتها الضمنية.
ثالثا: النص في المذكرة التفسيرية على اصطلاح «الاسرة الحاكمة» من دون تخصيص او تحديد لماهيتها يدفع بنا الى الاخذ بعموم اللفظ لتشمل الاسرة كل ذرية صباح الاول وذلك اعمالا لقاعدة «المطلق يجري على اطلاقه ما لم يقيد بدليل».
الخلاصة
إن القانون وليد الجماعة وثمرة تطورها وعلى ذلك فإن لكل جماعة قانونا يتطور ويتأثر بمختلف العوامل التي تتأثر بها من سياسية واقتصادية واجتماعية وغيرها. فالجماعة هي التي تخلق قانونها وهي التي تستقر في ضميرها على اتباعه، ونتيجة لهذا فإن القانون عندهم لا يعتمد على التشريع وحده بل ان العرف يعد دعامة من دعائم المجتمع وعاملا من عوامل استقرار نظمه كالتشريع سواء بسواء، فالعرف يمثل ارادة الدولة المفروضة في انشاء قواعد تلزم بها السلطتين التشريعيةوالتنفيذية وما دام القانون يقوم على مشيئة الدولة والتشريع يعتبر ارادتها الصريحة والعرف يعتبر ارادتها المفروضة وقوته تستمد من ارادة الدولة لتضفي عليها الصفة القانونية الامرة.
ومؤدى ما تقدم فإن ترشح ابناء الاسرة الحاكمة يتعارض مع ارادة الدولة المكتوبة والواردة في المذكرة التفسيرية للدستور وكذلك ارادتها غير المكتوبة والمستمدة من العرف الدستوري السائد الامر الذي يلزم كل فروع آل صباح والملقبة دستوريا بـ «الاسرة الحاكمة» بالامتناع عن الترشح للانتخابات البرلمانية استنادا الى احكام الوثيقة الدستوررية والعرف الدستوري.
لقد كان هذا دستورنا فلنأخذ منه ما غزر معناه ودق مرماه، ولقد كانت هذه ارادة اجدادنا وهل نحن الا صور جديدة لابائنا يعيشون فينا ويحلون في جسومنا ونفوسنا.