قلب فايروس كورونا حياة الشعوب في كافة المجالات، وأجبر الدول على اتخاذ تدابير قاسية كثيرة لتجاوز هذه الجائحة، من خلال إصدار قوانين وقرارات من شأنها الحفاظ على سلامة الإنسان في الدرجة الأولى. وفي الكويت لم تتخلف السلطات الصحية عن هذا الركب، حيث أصدرت العديد من القرارات، حفاظا على سلامة الأفراد، إلا أنها باتت في الفترة الأخيرة تتعثر في خطاها.
تمثلت آخر عثرات السلطات الصحية في وقف أخذ المسحات للمشتبه بإصابتهم بمرض كورونا و مخالطيهم، حيث تم قصرها على حالات معينة. سيكون لهذا القرار آثار صحية وقانونية. يهمنا في هذا المقال الوقوف على الأثر القانوني لقرار وقف أخذ المسحات.
لما كانت المادة (٢) من قانون الاحتياطات الصحية للوقاية من الامراض السارية تنص على أنه “اذ أصيب شخص او اشتبه في اصابته بأحد الامراض السارية، وجب الإبلاغ عنه خلال مدة ٢٤ ساعة الى أقرب مركز للصحة الوقائية ……” وفي المادة (٣) من ذات القانون أوضحت المسؤولين عن التبليغ المشار اليه في المادة السابقة، وهم حسب الترتيب الآتي:
1- الطبيب الذي قام بالكشف على المريض
2- أقارب المريض البالغين، ذكورا وإناثا، المقيمون معه في نفس المنزل، أو الذين اتصلوا به أثناء المرض …….. “.
خلاصة النصين ٢و ٣ من قانون الأمراض السارية توضح في تقديرنا تبنى المشرع لفكرة (وجوب) إبلاغ أي شخص يصاب بالمرض أو من يشتبه بحمله للمرض إلى أقرب مركز للصحة الوقائية خلال ٢٤ ساعة، وذلك من قبل الطبيب الذي قام بالكشف عليه في المستوصف أو مستشفى مخصص لأخذ العينات اللازمة من المرضى وتحليلها في المختبرات المختصة في مراكز الصحة الوقائية .
وبحسب ذات القانون فإن مجرد ظهور أعراض أحد الامراض السارية يوجب أخذ الفحوصات المخبرية اللازمة والابلاغ عن الشخص المصاب بالمرض، ووجوب عزله استنادا للمادة (٤) والتي تنص على “يعزل إجباريا في مستشفى الامراض السارية أو أحد مصحات الأمراض الصدرية أو أي مستشفى أخر تعده وزارة الصحة العامة، كل شخص مصاب أو مشتبه في اصابته بأحد الامراض السارية الواردة في القسم الأول من الجدول الملحق بهذا القانون، ويكون العزل بناء على ما يقرره طبيب الصحة المختص …………”
بتاريخ ٨مايو٢٠٢٠ اضيف فايروس كورونا الى القسم الأول وهو الأمراض المحجرية إلى جدول الامراض السارية الملحق بقانون الامراض السارية. وبحسب رأي الأطباء المختصين فإنه لا يمكن تحديد إذا ما كان الشخص مصابا بالمرض من خلال المعاينة فقط.
الأمر الذي نرى معه بأن قانون الامراض السارية وقانون تنظيم مهنة الطب الزما الأطباء بعلاج المريض، واضعين الممتنع تحت طائلة العقاب، وهذا النوع من الجرائم هو ما يعرفه الفقه الجزائي بجرائم الامتناع. وتعتبر جريمة الامتناع متحققة حسب نص المادة ٢ من قانون الامراض السارية سالفة الذكر بانقضاء ٢٤ ساعة من الكشف على المريض بالنسبة للأطباء في حال عدم إبلاغ الصحة الوقائية خلال المدة المشار اليها (فان الطبيب يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاثة شهور او الغرامة التي لا تزيد عن خمسة الاف دينار) والمنصوص عليها في المادة ١٧ من قانون الامراض السارية والمعدلة بالقانون رقم (٤) لسنة ٢٠٢٠ على أنه “كل مخالفة لأحكام هذا القانون او للقرارات المنفذة له، يعاقب مرتكبها بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة اشهر ، وبغرامة لا تزيد على خمسة الاف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين ”
كما وأنه حال تم ابلاغ طبيب الصحة الوقائية بذلك ولم يقم بالفحص المخبري (المسحة) فإن الأخير يواجه ذات العقوبة. وقد تصل العقوبة إلى أكثر من ذلك في حال تفاقم المرض ونتج عن عدم اجراء الفحوصات والتدابير الخاصة بالأمراض السارية الوفاة لا قدر الله.
ولا ينال من ذلك ما ورد في المادة (١١) من قانون الامراض السارية، حيث تنص على ان لوزارة الصحة العامة الحق في اخذ العينات اللازمة من المرضى بأحد الامراض السارية أو مخالطيهم لتحليلها في المختبر، حتى يتم التحقق من خلوها من جراثيم هذا المرض. وفي تقديرنا فإن بحسب هذا النص الوزارة ملزمة بعمل الفحوصات المخبرية (المسحات) وفقا للمادتين (٢،٣)، في حين أنها مخيرة بأخذ الفحوصات المخبرية (المسحات) لتتحقق من خلو تلك المسحات من الجراثيم.
و كنتيجة نهائية لجميع ما ذكر فان وزارة الصحة أمام خيارين: إما التقيد بالنصوص التشريعية والتعرض للمسائلة القانونية أو اللجوء الى اقتراح تعديل التشريع، لجعل مسالة أخذ المسحات من عدمها جوازية وليست وجوبية. وإلى ذلك الحين نأمل من الجهات المختصة ضمان تطبيق القوانين والقرارات حفاظا على صحة المجتمع.
أحمد جمال الفضلي
